رضا هارون
منذ 7 أشهر

كل سورة من سور القرآن وحدة منتظمة يرتبط آخر أفرادها بأولها في نظامٍ عجيب يخدم غرض السورة الكريمة. تأمل على سبيل المثال سورةً كالواقعة (96 آيةً). - تبتدئ السورة الكريمة بالحديث عن يوم القيامة وعن تأكد وقوعه وأنَّه يخفض أقوامًا ويضع آخرين، فهنا يثير الذهن التساؤل عن ماهية المخفوضين والمرفوعين، فترجئُ السورة الجواب للحديث عن بعض أهوال ذلك اليوم لتعود إلى الجواب بعد ذلك فتكون النفس قد قطعت كل حاجةٍ في التشوف لماهية أولاء المخفوضين والمرفوعين. - وعند ذلك تجد السورة الكريمة تذكر أن الناس في هذا اليوم على ثلاثة مجموعات: أ- أصحاب اليمين (الميمنة). ب. أصحاب الشمال (المشأمة). جـ. السابقون. - ثم بعد ذكر الأقسام الثلاثة إجمالًا أعادت الآية الكلام عنهم بالتفصيل بما يعرف عند الأصوليين باللف والنشر المفرق، فذكرت ما لكل فريق منهم بدءًا بالأعلى منزلةً وهم السابقون، وعطفت بمن دونهم وهم أصحاب اليمين، وفي الأخير أصحاب الشمال. - ثم تعطف الآية على الكلام عن إنكار الكفار للقرآن وسخريتهم منهم ومن البعث فتبطل شبهاتهم عن البعث بالحديث عن مبدئهم من مني حقير، وعما سخَّر لهم من الكون كالنار والخشب والماء والزرع ونحو ذلك، ثم بيَّن أن القرآن الكريم كلامه سبحانه بعد القسم بمواقع النجوم. - ولا يظنن أحدٌ انبتات هذا الموضع عن سابقه أو أنَّه مقحمٌ على السورة، بل هذا جواب لشبهة أصحاب المشأمة حتى تقوم الحجة عليهم، فيرد القرآن عليهم من بابين، من باب العقل وبيان تهافت طرحهم، ومن باب الخبر الدال على مصيرهم إن أصرُّوا على كفرهم. ثم تخلص الآية بتخلصٍ عجيب من جواب تلك الشبه لتعود إلى ذكر الفرق الثلاثة بالحديث عن الروح وضعف الإنسان الذي لا يستطيع إرجاع الروح إن بلغت الحلقوم، ثم تقول إن مصير تلك الروح بعد الموت يعود إلى واحدٍ من تلك الأقسام الثلاثة المذكورة أول السورة. ثم تختتم السورة العظيمة بالتنويه على عظمة الخالق جلَّ جلاله. أرأيت ذلك التوجه في الآيات من أول السورة لآخرها، فتأمل مثل ذلك في باقي السور وانظر بعض عظمة ذلك الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

للمشاركة في مجتمعنا يجب تسجيل الدخول

التعليقات:

إعلان